قتال الصليبيين:
وإذا كان التاريخ قد سجل للمماليك في حرب المغول بطولة رائعة، فقد سجل لهم قبل سنة 648هـ/ 1250م بسالتهم وإقدامهم في قتال الصليبيين عند "المنصورة" وعند "فارسكور" بقيادة الظاهر بيبرس.
إن الظاهر بيبرس لم يترك سنة في فترة ولايته دون أن يغزو الصليبيين ويحقق انتصارات عليهم. لقد استرد "الكرك" سنة 661هـ/ 1263م، و"قَيْسَارِيَّة" سنة 663هـ/ 1265م، وكثيرًا من البلاد التي استولى عليها الصليبيون مثل "صفد"، و"يافا"، و"أنطاكية" سنة 666هـ/ 1268م. لقد وقف بيبرس للتتار وللصليبيين معًا بعد أن تحالفت قوى التتار والصليبيين ضد المسلمين. وكان لهما بالمرصاد، وأسس دولة المماليك تأسيسًا قويّا، وعندما لقي ربه سنة 676هـ/ 1278م، استمر الملْك في ذريته حتى سنة 678هـ/ 1279م .
الملك الأشرف خليل:
ومرت سنوات قبل أن يتولى الملك "الأشرف خليل" أمر البلاد بعد وفاة والده قلاوون سنة 690هـ/ 1281م، وفيها أسدل الستار على الصراع الصليبي مع المسلمين في العصور الوسطى .
لقد فتحت "عكا" وبقية مدن الساحل في هذه السنة، وهرب الصليبيون إلى "قبرص" التي أصبحت ملجأ لهم في الشرق، وهكذا قطع الله دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .
لقد حُلّت العقدة التي سادت الناس جميعًا كما سادتهم قديمًا عن عدم إمكان هزيمة الجيوش المغولية مهما كانت أعدادها، وكسبت سلطنة المماليك مركز الصدارة بين سلاطين المسلمين، كما استقامت لمصر زعامة جديدة في العالم الإسلامي .
غزو الصليبيين:
ويستمر عهد المماليك البحرية حتى سنة 784هـ/1382م، وكان عهد استقرار ورخاء، ولكن بوفاة الناصر محمد بن قلاوون سنة 741هـ/ 1341م، اضطربت البلاد المملوكية مما شجع الصليبيين على غزو مصر سنة 767هـ/ 1366م، من جزيرة "قبرص" حتى سقطت الإسكندرية في أيديهم بعد أن ساءت أحوال البلاد لعدم وجود رجل قوي على رأس المماليك بعد الناصر قلاوون، وسقط كثير من الشهداء على أيدي الصليبيين الذين اعتدوا على البنات والنساء.
بداية عهد المماليك البرجية:
ولكن يشاء الله أن يبدأ عهد جديد على "المماليك البرجية" يعيد للمسلمين مجدهم، ويرفع راية الإسلام من جديد على ربوع الوادي .
لقد بدأ عهد المماليك البرجية بالظاهر برقوق سنة 784هـ/ 1382م، وانتهى بالأشرف قنصوه الغوري الذي قتل في مرج دابق على يد العثمانيين سنة 922هـ/ 1516م.
ولا ننسى للمماليك بصفة عامة دفاعهم عن الإسلام وأهله ودياره ضد التتار، فلقد أبلوا بلاء حسنًا، وكانوا خير عَونْ للإسلام والمسلمين في كل فترة من فترات تاريخهم .
حضارة المماليك:
ولقد اهتم المماليك بالأوضاع الحضارية من بناء للمدارس والمساجد والعمائر، حتى يعد عصرهم من أزهى العصور في العمارة، فقد كان للمماليك إسهام رائع في مجال العمارة، فقد أصبح فن العمارة على أيديهم إسلاميًا يستقي قواعده من مبادئ الإسلام وأصوله، ففن بناء البيوت مثلا على عهدهم انطلق من مبدأ منع الاختلاط والغيرة على النساء، فتبني البيوت الطابق الأول للرجال ويسمى"السلاملك" والسفلي للنساء ويسمى "الحرملك" ومدخل البيت ينحرف غربًا نحو دهليز ومنه إلى حجرة الضيوف، حتى لا يرى الدَّاخِل مَنْ في وسط البيت، وكانت هناك مداخل خاصة بالنساء فقط، وكانت شبابيك البيوت مرتفعة بحيث لا يرى السائر في الطريق ولو كان راكبًا من بداخل البيت، وكانت هذه الشبابيك عبارة عن خشب مثقوب يسمح بدخول الضوء والهواء، ويسمح لمن بداخل البيت برؤية من بالخارج بحيث لا يري من بالخارج من بداخل الحجرات .
كما كانوا يجعلون أماكن خاصة في الدور السفلي للدواب والمواشي، وحجرات خاصة للمطابخ، وهم الذين ابتكروا نظام دولاب الحائط الذي يوضع فيه الأطباق الخزفية، وعنهم أخذ هذا النظام.
وكان لهم اهتمامهم بالزراعة والصناعة، إلى جانب تأليف الموسوعات العلمية والأدبية، ومن هذه الموسوعات التي ازدهرت في عهدهم "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري .
كما ازدهرت في عهدهم التآليف التاريخية، مثل المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي، وكافة مؤلفاته، ومؤلفات ابن تغري بردي وغيرهما .
***